1ـ 2.  النهج الفكري لمادة التاريخ ( النهج التاريخي):
       يتكون النهج التاريخي من عمليات أو خطوات عقلية استدلالية تستخدم لحل مشكلات أو بناء المعرفة التاريخية ذاتها، وهي الوظيفة الثانية، الأساسية التي يسعى إليها تدريس التاريخ. ولا يقصد منها تكوين مؤرخين صغارا، بقدر ما يقصد منها تدريب المتعلمين على التحكم التدريجي في خطاطات التفكير التاريخي (Les schèmes de la pensée historienne) ، كما توصلت إليها إبيستيمولوجية التاريخ وبلورتها ديداكتيكية تدريسه[1] ، علما بأنه ، وإلى حد الآن ، لم يحصل إجماع بين المؤلفين في ديداكتيك التاريخ  حول خطوات منهجية معينة.
      فإذا كانوا يتفقون في بعض الجوانب، فإنهم يختلفون في جوانب أخرى: فمنهم على سبيل المثال لا الحصر، من يقسم هذه  الخطوات المنهجية إلى ثلاث عمليات، وهي :[2]
المقارنة: (comparer) ،التحقيب : (Périodiser)، التمييز بين التاريخ واستعمالاته :Distinguer les usages de lhistoire))  .
      ومن الباحثين في حقل ديداكتيك التاريخ من يقسم هذه الخطوات إلى سبع عمليات فكرية، كما يلي[3]:
                  ـ ملاحظة (observer) ووصف (décrire) الوثيقة ( أشياء، آثار أو صور فوتوغرافية ...)
                   مما يكسب المتعلم لغة اصطلاحية خاصة؛
ـ طرح  تساؤلات (Questionner)  ( إشكالية) : كيف؟ لماذا ؟ متى؟ لماذا؟ ؛
ـ البحث عن وثائق (Se documenter
ـ التفسير: (Expliquer
ـ المَوْدَََلَةُ : (Modéliser)  ؛
ـ الحفظ : (Mémoriser)  ؛
ـ إعادة الاستثمار أو القدرة على التحويل: (Réinvestir) (...)[4]  .
            أما الباحث المغربي في  ديداكتيك التاريخ: مصطفى حسني إدريسي، فيختصرها في خمس عمليات فكرية كالتالي: [5]
ـ الخطوة الأولى: الانطلاق من إشكالية يطرحها الحاضر؛
ـ الخطوة الثانية: التعبير عن الإشكالية بصياغة أسئلة أو تساؤلات؛
ـ الخطوة الثالثة:  بلورة فرضيات؛
ـ الخطوة الرابعة: تمحيص الفرضيات باستعمال المعطيات المتوفرة؛ 
ـ الخطوة الخامسة: بلورة خلاصة : تؤكد / ترفض- تفند/ أو تعدل هذه الفرضيات .
      وتعتبر هذه الخطوات الافتراضية - الاستنتاجية (Hypothéco déductive )  لُبُّ الوظيفة النقدية للتاريخ، إذ تجعل اهتمام الدارس ينصب بالأساس على آليات بناء المعرفة التاريخية أكثر من اهتمامه بالمعرفة التاريخية ذاتها، وهو ما يستدعي حتما:
               ـ أولا : الرجوع إلى الوثائق باعتبارها حاملة وثائقية (Support documentaire) ،
               ـ ثانيا: ملاحظة بقايا الماضي(Traces du passé ) [6]  .
      غير أن تدريب المتعلمين على خطاطات التفكير، هذه، لا يعني بأي حال من الأحوال تغييب المعارف التاريخية (les connaissances historiques)  أو التقليل من أهميتها،   بل إنها أساسية ولازمة لتحقيق أي تعلم مفاهيمي (Conceptuel)  أو منهجي Méthodique))، فبدونها لن تكتسب المهارات العملية والتي تبلور المفاهيم المهيكلة للخطاب التاريخي والمرتبطة بالمجال والمجتمع والزمن .
         وعليه، فهذه الوظيفة النقدية ( المتمثلة في التعلم القائم على المفاهيم المهيكلة للخطاب التاريخي ) وتعلم الخطوات المنهجية للمؤرخ، وإن كانتا تتكاملان فيما بينهما، فإنهما لا تقصيان الوظيفة الاجتماعية المتمثلة في تحديد الهوية(La fonction Identitaire) المرتبطة بالهوية الجماعية (Identité collective) .
        وبالرجوع إلى الوثيقة  المرجعية للمنهاج الحالي لمواد: التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة والتي أشارت بكيفية صريحة، وعلى غرار مادة الجغرافيا إلىالنهج التاريخي، واعتبرته أحد مقومات مادة التاريخ. وحددت خصائصه كالتالي: [7]




النهج
التاريخي


المسار المعتمد في دراسة جزء من
  واقع الماضي
ويتم عبر:

- التعريف؛
- التفسير ؛
- التركيب.

التعريف:  إعطاء  معنى للمعطيات التاريخية المتناولة والإحاطة بها. وهذا يساعد على فك الترميزات والفهم.
التفسير:  ينطلق من تأويل المعطيات التاريخية المدروسة ، وتوخى إبراز:
     - الإنتظامات( التناسقات) (Régularités) ؛
     - الاتجاهات  (Tendances) ؛ 
     - الترابطات ( Corrélations) ؛
     -  الحركات العميقة (Mouvements profonds) .

التركيب :  إيجاد العلاقة والربط بين الجزئي والكلي وبين الكلي والجزئي،
   - الانتقال من الخاص إلى العام.


















      
 لقد سبقت الإشارة إلى  تعدد الخطوات المنهجية المعتمدة في إكساب المتعلم النهج التاريخي،  ويعود هذا التعدد إلى تنوع المرجعيات التي يستند إليها واضعو هذه المقاربات المنهجية. 
       وبخصوص الخطوات المنهجية التي حددتها الوثيقة / المنهاج الحالي لمواد التاريخ و الجغرافيا والتربية على المواطنة، كما هو مبين في الجدول، أعلاه، فإنها تستمد مرجعيتها من الأدبيات الإبيستمولوجية  التي ألفها المؤرخ المغربي الأستاذ عبد الله العروي، وخاصة ما جاء في كتابه الذي يحمل عنوان: مفهوم التاريخ.[8]
      لقد تناول عبد الله العروي الحديث عن مفهوم النهج التاريخي في معرض حديثه عما أسماه بمنطق المؤرخ، واختزله في العمليات التالية:  [9]
هَمُّ (المؤرخ ) الأول والأخير هو الإجابة عن السؤال مه؟ (Quoi?)  والتعيين يكون بالكشف عن مختلف العلاقات التي تربط الأمر الذي يبحث فيه بكل ما سواه. هدف العملية التوضيحية نطلق عليها اسم التعريف (Identification) ، بعدها يأتي دور الاستيعاب بشتى أشكاله ( الاستحضار، التفسير، التعليل) ونطلق عليها بشيء من التجاوز اسم  التعليل ونصل إلى مرحلة الجمع والضم التي  نسميها اصطلاحا التألفة(Synthèse)


      إن مقارنة أولية بين النهج التاريخي، كما حددته الوثيقة / المنهاج ومنطق المؤرخ، كما حدده المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي، من شأنها أن تكشف عن بعض أوجه التشابه والاختلاف في التسميات، فقط، وليس في المعنى أو المفهوم.
     فبالنسبة للعملية الأولى ، عملية التعريف، تتفق الوثيقة/ المنهاج والعروي على إعطائها نفس التسمية. أما العملية الثانية، فإذا كانت الوثيقة المشار إليها سابقا تسميها بالتفسير، فإن العروي يعطيها تسمية أخرى، أي التعليل، وهو يعتبر التفسير LExplication))   مرحلة فرعية من مراحل التعليل. وإذا كانت الوثيقة تطلق على العملية الثالثة والأخيرة تسمية التركيب ، فإن المؤرخ المغربي الأستاذ عبد الله العروي،  يطلق عليها إسم الـتألفة (Synthèse)   ويميزها عن  التأليفة (Combinaison).
      وبالرجوع إلى مؤلف الأستاذة خديجة  واهمي، السابق الذكر، وبالنظر إلى مشاركتها في وضع منهاج التاريخ، يمكن فهم مكونات النهج التاريخي كما أوردته الوثيقة بمثابة منهاج لمواد الاجتماعيات الثلاث .
      لقد خصصت الباحثة الفصل الثالث من مؤلفها لتحديد النهج الديداكتيكي لمادة التاريخ واختصرته في : التعريف والتفسير والتركيب، وقد سجلت إخضاع هذا النهج للتجريب  في الميدان على مدى عقد من الزمان.
     وإذا كانت الوثيقة/ المنهاج تقدم إشارات جد مركزة عن خطوات النهج التاريخي، ولا تتجاوز ما يتضمنه الجدول السابق (الصفحة:9)، فإن توضيح هذه الخطوات يستدعي الرجوع إلى مؤلف الأستاذة خديجة واهمي، التي تستند في مرجعيتها النظرية، بصفة خاصة، إلى كتابي الأستاذ عبد الله العروي( مفهوم التاريخ - الجزء الثاني) وهنري  مونيو ( Henri Moniot)  ( Didactique de lHistoire ) .
1.1- التعريف :(Identification
       تستشهد الباحثة المذكورة بما أورده الأستاذ عبد الله العروي بخصوص هذه الخطوة الفكرية من كون التعريف هو:
     - إطلاق اسم على حادثة أو مجموعة حوادث،
     - عملية جد صعبة ، يتوقف عليها عمل المؤرخ،
     - يتلخص فيها كل عمل المؤرخ،
      ويترجم الأستاذ العروي هذه العملية (التعريف) بالعنونة (Nomenclature)، التي يربطها ربطا وثيقا بعملية التأويل (Herméneutique) ويجعلها خطوة سابقة على خطوة التعيين (Spécification) . [10]
       وبرجوع الباحثة خديجة واهمي إلى هنري مونيو (Henri Moniot)، فإنها تصنف القدرات التي يكتسبها المتعلم بواسطة التعريف، وخاصة عند تعامله مع وثيقة أودعامة ديداكتيكية ما، في ما يلي :
          - المسألة التاريخية أو الإشكالية المتناولة؛
           - تحديد الحدث في الزمان والمكان؛
           - المصدر أو المصادر الملائمة ( إذا كان ذلك ضروريا)؛
          - الأنساق الرمزية والمفاهيم المكونة للمعرفة التاريخية المتناولة؛
         - العناصر المكونة للمعرفة التاريخية: المعرفية والمنهجية؛
         - التصنيفات؛
         - بنية المعرفة التاريخية (بشقيها المعرفي والمهاري) .
    وتنهي الباحثة الحديث عن خطوة التعريف بذكر ما سيكون المتعلم قادرا على القيام به في نهايتها : سيكون قد استوعب بشكل واضح مدلول المعطيات أو المهارات المتناولة بعد إعطائها معنى وتأويلها حسب سجل دلالي، ويستطيع الانتقال بعد ذلك إلى مستوى التعبير عنها بشكل لفظي أو غير لفظي. [11]
     فالتعريف، إذن حسب الوثيقة/ المنهاج، وحسب المرجعية الإبيستمولوجية المستمدة من كتاب الأستاذ العروي، وكما هو مبين في مؤلف الباحثة خ. واهمي، هو:
    - الخطوة الأولى في النهج التاريخي؛
    - تنصب على إدراك بنية خطاب تاريخي تتضمنه وثيقة أو دعامة ديداكتيكية؛
    - عملية حاسمة في قيام  الفهم.
         مثال: التعريف: (من خلال تسمية الحدث وتحديد زمانه ومكانه...)  :
- أُسمي الحدث الذي يتطرق له النص. أو أُعطي عنوانا للنص...
- أُحدد الظروف التي وقعت فيها الأحداث التي وردت في النص.

1.2- التفسير: (LExplication) :
1.1.2- تحديد المفهوم :
     سبقت الإشارة إلى أن المؤرخ المغربي، عبد الله العروي، وفي إطار تحديده لمنطق المؤرخ، ينتقل مباشرة بعد التعريف إلى عملية التعليل التي يعتبرها: عملية جبر الخلل الذي يحصل حتما في الخبر مع مرور الأيام [12]، ويعتبر التفسير مرحلة من مراحل التعليل ويرتبط به أشد ارتباط ، وهو شكل من أشكال الاستيعاب، التي لخصها في : الاستحضار، التفسير والتعليل.
      ويتم التفسير في رأيه، وهو بالأساس وصف، من خلال الجواب عن السؤال: لماذا؟ ويتطابق هذا الرأي مع ما أوردته الباحثة المذكورة في مؤلفها.
      أما الوثيقة/المنهاج، فإنها تنتقل مباشرة، بعد التعريف إلى عملية التفسير. وحددت وظيفته في : تأويل المعطيات التاريخية المدروسة ، ويستهدف إبراز:
       - الإنتظامات( التناسقات) :(Régularités) ؛
        - الاتجاهات  (Tendances) ، 
        - الترابطات ( Corrélations) ،
        -  الحركات العميقة:(Mouvements profonds) .
        وتدرج الباحثة: خ. واهمي هذه المعطيات، استنادا على هـ . مونيو [13]، ضمن ما يتحقق للمتعلم من قدرات حين تعامله مع التفسير في التاريخ، من خلال إعماله للعقل أثناء البحث عن الأسباب العميقة للأحداث التاريخية مما يساعده، في نظرها، على تحقيق:
     - استيعاب مفاهيم الحتمية، الصدفة، السببية...
     - إيجاد وإبراز صور تفسيرية(Configuration explicative)  بالبحث عما تتضمنه الوثيقة التاريخية من العلاقات والانتظامات والاتجاهات والترابطات والحركات العميقة.
    -  القيام بعملية انتقاء وتصنيف المعطيات التاريخية في علاقتها مع أخرى وترتيبها حسب منطق تاريخي، وإدراجها في إطار شبكات معرفية.[14]
2.1.2 - خطوات التفسير التاريخي: [15]
   تتميز العملية التفسيرية في حقل التاريخ بتعقدها الكبير، إذ تتدخل في تحديدها مجموعة من العوامل، ومن ضمنها ثقافة المؤرخ ومرجعياته...[16] وقد رصدت بعض البحوث في ابيستمولوجيا التاريخ العمليات الفكرية التي يقوم بها المؤرخ خلال سعيه للإجابة عن الأسئلة التي طرحها في مرحلة الأشكلة، ولخصتها في الإجراءات التالية:

ـ انتقاء العوامل والأسباب:
   إذ يقوم المؤرخ  خلال هذه الخطوة الأولى بالبحث في الأسباب والعوامل التي كانت وراء الحدث موضوع الدراسة التاريخية أو التي كان بإمكانها أن تصنعه أو أن تحدد مساره.
   ولعملية الانتقاء، هاته، أهمية منهجية بالغة ، باعتبار تشعب الأسباب في هذا الفرع المعرفي وتعددها ، يدفع المؤرخ إلى اختيار ما يعتبره عاملا أو عوامل مسؤولة عن وقوع الحدث ، وذلك بالانفتاح على :
ـ ميادين مختلفة: سياسة، اقتصاد، ثقافة، مجتمع...
ـ مجالات جغرافية متنوعة: محلية، جهوية، وطنية، عالمية...
ـ أزمنة متباينة: قصيرة، متوسطة، طويلة...  
ـ ترتيب العوامل:
     يقوم المؤرخ خلال هذه العملية بترتيب العوامل، بعد تقييمها وتصنيفها حسب أهميتها في صنع الحدث.
    فبعدما يكون المؤرخ قد استحضر العديد من الأسباب أو العوامل التي تكون في اعتقاده مُفَسِّرَة للحدث التاريخي، يقوم  بعزل سبب أو عامل ما، يشكل في نظره العنصر الأهم والفاعل في صنع الحدث. وفي أعقاب ذلك يبلور مسارات ويبني تطورات افتراضية تقوده إلى العملية الفكرية الموالية.
ـ ربط العلاقات بين العوامل والأحداث: 
     إن القصد من العمليتين السابقتين ( انتقاء العوامل وترتيبها) هو تهيئ الأرضية للقيام  بعملية  الربط ، جوهر العملية التفسيرية في مجال التاريخ، والتي تفضي إلى بلورة المعنى والمفهومية التاريخية.
    وعملية الربط هاته، بين العوامل أو الأسباب والحدث، تقوم على أساس استخدام منهجية دقيقة تستند على البرهنة والاستدلال المنطقي.
     ويمكن تمثيل خطوات التفسير التاريخي في الخطاطة التالية:
     
مثال: التفسير) من خلال الجواب عن سؤال "لماذا؟")
 - أَستخرج من النص الأسباب التي أدت إلى حدوث الاكتشافات الجغرافية الأوربية. 
  - أَصنف الأسباب حسب:
* معيار زمني: أسباب قريبة - بعيدة / مباشرة - غير مباشرة/ ...
* معيار موضوعاتي: أسباب اقتصادية، سياسية ، ثقافية، دينية،اجتماعية...
معيار مجالي: أسباب داخلية خارجية / وطنية دولية/ ...  
3 -1.  التركيب : (Synthèse)  :
        في أعقاب عمليتي التأويل والتفسير يقوم المؤرخ في الأخير، ببناء أحداث ووضعيات  من خلال بلورة خطاب سردي منسجم وتركيب واضح.
       والتركيب، هو وعلى غرار التعريف والتفسير يتخذ صيغا وأشكالا متنوعة تختلف باختلاف المرجعيات النظرية للمدارس والاتجاهات التاريخية.
      ففي اعتبار أتباع المدرسة الوضعانية (Positivistes) ، يكتسي التركيب طابعا خاصا يقوم على أساس سرد الأحداث والوقائع وفق منطق التعاقب والتزامن، انسجاما مع التصور الذي تكونه هذه المدرسة لبنية المعرفة التاريخية والقائم على سرد الأحداث كما وقعت بالضبط.
     وقد تعرض هذا التوجه إلى نقد بحجة أن هذا المستوى من التركيب يقف عند مستوى التحليل والتحقيق ولا يرقى إلى مستوى  المفهومية أو المفهمة (Conceptualisation) الكفيلة بإعطاء دلالة ومعنى للوقائع والأحداث، وهو ما يتوقف على استحضار الإشكاليات المنطلق منها [17] .  
      ولما كان عمل المؤرخ يقوم على تفكيك الخطاب التاريخي لأجل فهم مدلوله، أي ما ينعته بعض الدارسين بالتحليل، فإن الأستاذ العروي يميز بين ما يقابل كل عملية ( التفكيك- التحليل) . ففي في نظره يقابل التحليل التركيب ويقابل التفكيك التأليف .
      وعليه، فإذا كان الأستاذ العروي يرجح عملية التألفة على عملية التركيب، فإن الوثيقة / المنهاج ، تتحدث فقط، عن التركيب وتحدد وظيفته : في إيجاد العلاقة والربط بين الجزئي والكلي، وبين الكلي والجزئي وكذا الانتقال من الخاص إلى العام، وهو التعريف الذي يقترحه الأستاذ عبد الله العروي للتألفة ، إذ يقول بهذا الصدد: لذا نقترح كلمة تألفة للتعبير عن الانتقال من الخاص إلى العام من الجزئي إلى الكلي في مسيرة الباحث المؤرخ أو ما عبر عنه بالانتقال من التلميح على التصريح ، واعتبرها مرحلة لإبراز الجانب الفني لدى المؤرخ [18].
         وعليه، فإن الوثيقة /المنهاج، وإن كانت تستمد مرجعيتها من كتاب الأستاذ العروي مفهوم التاريخ، فإنها لم تراع التمييز الذي استخلصه هذا الأخير للفصل بين عمليتي التركيب والتألفة التي لم ترد أية إشارة في شأنها في الوثيقة / المنهاج ، كما أن الباحثة : خ. واهمي تتحدث عن التركيب ، تارة، وعن التألفة، تارة أخرى، دون التمييز بينهما، وذلك بالرغم من رجوعها إلى  ما كتبه الأستاذ العروي في معرض تمييزه بين التركيب والتألفة .
     وإذا كانت الوثيقة / المنهاج تحدد اتجاهات هذا التركيب /التألفة في الربط بين الجزئي والكلي والانطلاق من الخاص إلى العام، فإننا لا نجد في هذه الوثيقة ما يوضح مدلول ذلك، مما يحيلنا على كتاب الأستاذة خ. واهمي : محاولة لوضع نموذج ديداكتيكي في التاريخ لاستخلاص معنى الانطلاق من الخاص إلى العام، وتقصد به:
   - معالجة الحدث وإعادة بنائه بربطه مع أحداث أخرى وتضيف:
   - ونوجه كل اهتمامنا في هذه المرحلة، نحو إعادة بناء مركبة وشاملة في إطار عام أو في إطار مفهوم معين [19].
   - يتم الانطلاق من الخاص إلى العام في حالة تعامل المؤرخ مع المفاهيم .
   - تربط الباحثة المذكورة سابقا بين مرحلتي التركيب والتفسير بقولها بأن:
مرحلة التركيب إذن، هي المرحلة التي يتم فيها الربط بين الجزئي والكلي، وكذلك بين الكلي والجزئي، وهذا لن يتم إلا بعد إيجاد الحركات العميقة (Mouvements profonds) والاتجاهات(Tendances) والعلاقات والترابطات ( Corrélations) بين الخاص والعام وبين العام والخاص.
    - تؤكد الباحثة،أيضا، على أهمية عملية التركيب في الدرس التاريخي، بقولها:
فالاكتفاء بمرحلتي التعريف والتفسير في التاريخ المدرسي شيء غير مجد، والتوصل إلى مرحلة التركيب مسألة ضرورية وأساسية لأنها تمكن التلميذ من التوصل إلى استنتاجات والخروج باقتراحات أساسية في بناء المعرفة... كما تساعده على اكتساب المفاهيم المتناولة خلال مقطع التعلم. [20]
مثال: التركيب (التوليف) (من خلال الربط بين : الجزئي والكلي أو بين الكلي والجزئي والانتقال من الخاص إلى العام ومن العام إلى الخاص) :
 - أبين تأثير فكر الأنوار في اندلاع الثورة الفرنسية.
 - أبرز دور الاكتشافات الجغرافية في النهضة الأوربية.
 - أبين دور الترجمة العربية في تطور الفكر الأوربي في بداية النهضة الأوربية.

 






مكونات الفكر التاريخي
(مصطفى حسني إدريسي: مساهمة في ديداكتيكية الفكر التاريخي [21])

خلاصة عامة:
     هكذا إذن، نستخلص استناد المنهاج الحالي لمادة التاريخ إلى المرجعية الإبيستمولوجية في وضع تصور جديد للأسس والمنطلقات العامة لمنهاج هذه المادة الدراسية، تصور يأخذ بعين الاعتبار مستجدات البحث الأكاديمي والديداكتكي .[22]
      وأخيرا، فمن ضمن أهم مميزات المنهاج الحالي لمادة التاريخ أيضا، استناده، بالإضافة إلى الأسس الإبيستمولوجية المشار إليها سابقا، إلى مدخل الكفايات البيداغوجية من خلال تنصيصه صراحة على: »التعامل مع المعرفة التاريخية المنظمة تتيح للمتعلم إمكانية امتلاكها وتوظيفها في وضعيات جديدة،
التأكيد على مسار المعرفة التاريخية أكثر من التركيز على منتوجها في أفق إكساب المتعلم الاستقلالية (LAutonomie)، ولن يتسنى له ذلك إلا باكتساب الأدوات المنهجية لمساءلة التاريخ بفكر نقدي يستدمج نسبيته ويعرف معناه ويثمن الثقل التاريخي لجملة مفرداته، فيصبح مؤهلا للتموضع في الماضي الذي مازال حاضرا حولنا وفي المجال الذي نعيش فيه  «[23] . فكيف يمكن أن تتحقق هذه الكفايات من خلال درس التاريخ؟

المراجع
باللغة العربية:
- خديجة واهمي (2002) محاولة وضع نموذج ديداكتيكي في التاريخ، دار القرويين،الدار البيضاء.
- شكير عكي(2003)، التفسير التاريخي في المرحلة الثانوية التأهيلية: دراسة تشخيصية، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علوم التربية، كلية علوم التربية، الرباط.   
- عبد الله العروي (1992) مفهوم التاريخ، الجزء II، بيروت .   
- قسطنطين زريق(1974) نحن والتاريخ، مطالب وتساؤلات في صناعة التأريخ  وصنع التاريخ ،بيروت.
- محمد صهود(2002-2003) ، التحقيب التاريخي في المرحلة الثانوية التأهيلية، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية علوم التربية، الرباط . 
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين ( يناير 2000) .
-  وزارة التربية الوطنية ( مارس 2002) منهاج التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة. 
- وزارة التربية الوطنية ( مارس1990) تدريس التاريخ في التعليم الأساسي والثانوي، مديرية التعليم الثانوي. 
- وزارة التربية الوطنية (مارس2001)، الوثيقة الإطار لمراجعة المناهج التربوية وبرامج تكوين الأطر.




باللغة الفرنسية:
.
- Charles Heimberg(2002) ,LHistoire à lécole, ESF éditeur.
 - Dossiers du C.P.E.C.No=15 (juin1984), Quelles compétences garantir en HIST/GEO , 1er cycle?   
-Guy Michaud et Cie (1981), Vers  une science des civilisations?    Éditions complexe.
Geneviève Meyer(1991) Cheminement en maternelle,coll. Lécole au quotidien,Hachette, Paris.
- G.Meyer(1995),in : Profession enseignant, Évaluer,Pourquoi?Hachette.
- Henri Moniot(1993) Didactique de LHistoire,Nathan, Paris.
- Micheline JOHNSON;(,1976) Le concept de Temps dans lenseignement de lHistoire,cahier Clio,No 45-46.
- Monique Flonneau,(1996),De la découverte du Monde aux cycle II et III, Nathan.
-Mostafa Hassani Idrissi (1/5/2001), « A lheure  de réforme,Quelles fonctions éducative pour lHistoire? » In Libération.
- Mostafa Hassani Idrissi (2005) ,Contribution à une didactique de la penseé historienne, De léclairage méthodologique et épistémologique à la pratique en classe dhistoire dans les lysées du Maroc.
- Paule Maréchal, (1969), l’Histoire en question, les voies éducatives, Armand Colin, Paris..
- Robert MORTINEAU (1998) LHistoire,Voie Royale  vers la citoyenneté?   In Revue EDUCATION , No 16.
- René Van Santbergen(1972) , Pour une méthode thématique
 d enseignement  de lHistoire, cahier Clio, no 29, Bruxelles, Belgique.


[1]-Mostafa Hassani Idrissi(1/5/2001), « A lheure  de réforme,Quelles fonctions éducative »
[2] -Charles Heimberg(2002) ,LHistoire à lécole, ESF éditeur, pp.41-80
[3]-- Monique Flonneau, op. cit. p.17

[4] -Monique Flonneau, op.cit,p. 17
[5] -Mostafa Hassani Idrissi, op. cit.
[6] - Ibid
[7] ـ وزارة التربية، المنهاج، مرجع سابق، ص12 

[8] ـ عبد الله العروي، مرجع سابق ،ص.243  وما بعدها.
[9] ـ عبد الله العروي، نفس المرجع، ص. 242

ـ العروي، مرجع سابق، ص. 244 وما بعدها. [10]
[11]ـ  واهمي، مرجع سابق، ص.43
[12] ـ العروي، مرجع سابق ، ص. 294
[13]- Henri Moniot(1993) Didactique de L’’Histoire,Nathan, Paris,p. 48
[14]ـ واهمي خديجة، مرجع سابق، ص. 43
[15] ـ شكير عكي(2003)، التفسير التاريخي في المرحلة الثانوية التأهيلية: دراسة تشخيصية، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في علوم التربية، كلية علوم التربية، الرباط. ص. ص. 54-55  

[16]- MARROU, H.I(1975) De la connaissance historique, ed. Seuil,p.35

[17] ـ محمد صهود(2003) ، التحقيب التاريخي في المرحلة الثانوية التأهيلية، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية علوم التربية، الرباط ، ص. 31
[18] ـ العروي، مرجع سابق، ص. 244 وما بعدها.
[19] ـ خ. واهمي، مرجع سابق،ص. 48 

ـ خ. واهمي، نفس المرجع، ص. 50 [20]
[21]ـ محمد صهود، مرجع سابق , ص.24 اقتبسه من الأطروحة التالية التي تمت مناقشتها في رحاب كلية علوم التربية  بالرباط بتاريخ: 25 يناير 2005 :
Mostafa Hassani Idrissi (2005) ,Contribution à une didactique de la penseé historienne, De léclairage méthodologique et épistémologique à la pratique en classe dhistoire dans les lysées du Maroc.


ـ وزارة التربية الوطنية، مرجع سابق، ص.11[22]
ـ وزارة التربية الوطنية، مرجع سابق، ص ص.11 12  [23]


التعليقات : 0

إرسال تعليق


أخي الكريم، رجاء قبل وضع أي كود في تعليقك، حوله بهذه الأداة ثم ضع الكود المولد لتجنب اختفاء بعض الوسوم.
الروابط الدعائية ستحذف لكونها تشوش على المتتبعين و تضر بمصداقية التعليقات.